فصل: (14) كتاب التفليس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار



.[12] كتاب الرهن

3733 - عن أنس قال: «رهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درعًا له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرًا لأهله» رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه.
3734 - وعن عائشة: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل ورهن درعًا من حديد» وفي لفظ: «توفي ودرعه مرهون عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير» أخرجاهما.
3735 - ولأحمد والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس، وقال صاحب "الاقتراح" هو على شرط البخاري.
3736 - وعن أبي هريرة قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: يركب الرهن بنفقته ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يشرب ويركب النفقة» رواه البخاري والترمذي، وقال حسن صحيح، ولفظه: «الظهر يركب بنفقته، إذا كان مرهونًا ولبن الدر يشرب بنفقته، إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» ولأبي داود معناه، وقال: «يحلب مكان يشرب» وفي لفظ لأحمد: «إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته» وللدار قطني والحاكم وصححه: «الرهن مركوب ومحلوب» ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه.
3737 - وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه» رواه الشافعي والدارقطني وقال: هذا إسناد حسن متصل، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البيهقي وابن حبان في "صحيحه"، وأخرجه ابن ماجه من طريق أخرى، وصحح أبو داود والبزار والدارقطني إرساله عن سعيد بن المسيب، وقال في "بلوغ المرام": رجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله.
قوله: «لا يغلق الرهن» قال مالك في "تفسيره": إن من رهن الرهن وفيه فضل عما رهن فيه فيقول المرتهن إن لم تأتني بحقي إلى أجل كذا فهو لي، ويقول الراهن: هو لك أن لم آتك إلى الأجل، وهو الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يصح فإن جاء به صاحبه بما فيه بعد الأجل فهو له, انتهى.

.[13] كتاب الحوالة والضمان

.[13/1] باب وجوب قبول الحوالة على الملي والنهي عن المطل

3738 - عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مطل الغني ظلم، وأذا أتبع أحدكم علي ملي فليتبع» رواه الجماعة، وفي لفظ لأحمد: «ومن أحيل على مليّ فليحتل».
3739 - وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مطل الغني ظلم وإذا أحلت على ملي فاتبعه» رواه ابن ماجه ورجاله رجال الصحيح، إلا إسماعيل بن توبة وهو صدوق.
3740 - وعن جابر قال: «توفي رجل منا فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا يصلي عليه وخطى خطوة فقال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منهما الميت، قال: نعم، فصلى عليه» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
3741 - ومعناه في البخاري من حديث أبي هريرة تقدم في كتاب الجنائز، وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه من قضاء فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال: صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى المؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه» متفق عليه. وفي رواية للبخاري: «من مات ولم يترك وفاء...» وقد تقدم من ذلك أحاديث في كتاب الجنائز.
قوله: «فليتبع» بالياء فالمثناة من فوق الخفيفة قال الخطابي: وأصحاب الحديث يشددون التاء وهو غلط.

.[13/2] باب ما جاء في الكفالة بالحدود وما جاء في حل عرض الواجد الماطل

3742 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا كفالة في حد» رواه البيهقي بإسناد ضعيف.
3743 - وعن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
قوله: «ليّ» بتشديد الياء المطل.

. [13/3] باب ما جاء أن الممضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد الضمانة

3744 - عن جابر قال: «توفي رجل فغسلناه وحنطناه» الحديث السابق بتمامه وفيه ثم قال بعد ذلك يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوم «ما فعل الديناران؟ قال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الآن بردت عليه جلده» رواه أحمد بإسناد حسن والحاكم والدارقطني وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه باختصار وقد تقدم في كتاب الجنائز.

.[14] كتاب التفليس

.[14/1] باب ملازمة الملي وإطلاق المعسر والتيسير عليه وإنظاره والوضع عنه

3745 - عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وعلقه البخاري وصححه ابن حبان وحسن في "الفتح" إسناده، وقد تقدم قريبًا وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الأقضية، وقال أحمد: قال وكيع: عرضه شكايته، وعقوبته حبسه.
3746 - وعن أبي سعيد قال: «أصيب رجل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثمار إبتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا ما وجدتم فليس لكم إلا ذلك» رواه الجماعة إلا البخاري. وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280].
3747 - وعن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» رواه مسلم
وغيره، ورواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح، وقال فيه: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة وأن يظله الله تحت ظل عرشه فلينظر معسرًا».
3748 - وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا:عملت من الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله تجاوزوا عنه» رواه البخاري ومسلم واللفظ له: وقد تقدم في كتاب البيع.
3749 - وعن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «من أنظر معسرًا فله كل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله كل يوم مثلاه صدقة» رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما.
3750 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أنظر معسرًا أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
3751 - ولابن ماجه نحوه من حديث أبي اليسر، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

.[14/2] باب من وجد سلعته عند مفلس فهو أحق بها

3752 - عن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من وجد متاعه عند مفلس بعينه، فهو أحق به» رواه أحمد وأبو داود وحسن إسناده في الفتح.
3753 - وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره» رواه الجماعة وفي لفظ: «قال في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه» رواه مسلم والنسائي وفي لفظ لأحمد: «أيما رجل أفلس، فوجد رجل عنده ماله، ولم يكن اقتضى من ماله شيئًا، فهو له».
3754 - وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما رجل باع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقتض الذي باعه من ثمنه شيئًا، فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء» رواه مالك في "الموطأ" وأبو داود وهو مرسل وقد أسنده أبو داود من وجه آخر وسيأتي، ووصله البيهقي أيضًا وضعفه تبعًا لأبي داود.
3755 - ورواه أبو داود وابن ماجه من رواية عمر بن خلدة، وقال: «أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به» وصححه الحاكم والطريق الأخرى التي رواها أبو داود وهي من رواية إسماعيل بن عياش عن الحارث الزبيدي وهو شامي وإسماعيل قوي في الشاميين.

.[14/3] باب ما جاء في الحجر على المدين وبيع ماله في قضاء دينه أو قطعه للغرماء

3756 - عن كعب بن مالك: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه» رواه الدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه.
3757 - وعن عبد الرحمن بن كعب قال: «كان معاذ بن جبل شابًا سخيًا، وكان لا يمسك شيئًا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله فأتى غرماؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلب معاذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل غرماءه أن يضعوا أو يؤخروا فأبوا فلو ترك لأحد من أجل أحد لترك لمعاذ لأجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم ماله كله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء» رواه أبو داود وعبد الرزاق وسعيد في "سننه" مرسلًا قال عبد الحق: المرسل أصح، قال ابن الطلاع في "الأحكام": هو حديث ثابت.
3758 - وعن أبي سعيد قال: «أصيب رجل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا عليه فتصدق عليه الناس ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك» رواه مسلم وغيره، وقد تقدم قريبًا.

.[14/4] باب الحجر على المبذر

3759 - عن عروة بن الزبير قال: «اشترى عبد الله بن جعفر أرضًا سبخة فبلغ ذلك عليًا فعزم أن يسأل عثمان الحجر عليه، فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له ذلك، فقال الزبير: أنا شريكك، فلما سأل علي عثمان الحجر على عبد الله، قال: احجر على من كان شريكه الزبير» رواه الشافعي في "مسنده"، والبيهقي بإسناد حسن وأبو عبيد في كتاب "الأموال" وابن حزم. ومن جملة ما استدل به على جواز الحجر على السفيه والمبذر: قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] قال في "الكشاف": والسفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يدي لهم بإصلاحها وتمييزها ولا التصرف فيها، والخطاب للأولياء وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم الناس معائشهم.
3760 - واستدل أيضًا بردهص صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه، أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي سعيد.
3761 - وبحديث جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد البيضة على من تصدق بها ولا مال له غيرها، رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.
3762 - وبحديث الرجل الذي أعتق له عبد عن دبر ولا مال له غيره، فباعه النبي - صلى الله عليه وسلم - متفق عليه وسيأتي إن شاء الله في كتاب العتق.

.[14/5] باب بيان السن الذي يعامل فيها من بلغ إليها

3763 - عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: «حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتم بعد الاحتلام، ولا صمات يوم إلى الليل» رواه أبو داود بإسناد فيه مقال، قال المنذري: وقد روي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت، انتهى.
3764 - وعن ابن عمر قال: «عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، وعرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» رواه الجماعة وزاد ابن حبان في "صحيحه" بعد قوله: لم يجزني: «ولم يرني بلغت» وزاد بعد قوله فأجازني: «ورأى أني قد بلغت».
3765 - وعن عطية قال: «عرضنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي» رواه الخمسة وصححه الترمذي، وابن حبان والحاكم على شرطهما، قال الحاكم: وهو كما قال، انتهى. وفي لفظ لأحمد والنسائي: «فمن كان محتلمًا أو أنبتت عانته قتل ومن لا ترك».
3766 - وعن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم» والشرخ الغلمان الذين لم ينبتوا، رواه الترمذي وصححه.
3767 - وقد تقدم في الصلاة حديث عائشة مرفوعًا: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» رواه أبو داود وغيره.
3768 - وحديث: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة تقدم أيضًا في الصلاة.
قوله: «ولا صمات» الصمات السكوت، أي: لا يصمت يوم تام.
قوله: «فلم يجزني» المراد بالإجازة الإذن بالخروج للقتال من أجازه إذا أمضاه وأذن له.
قوله: «شرخهم» بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها خاء معجمة قد تقدم في تفسيره في الحديث.

.[14/6] باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة

3769 - عن عائشة في قوله تعالى: «{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6] مكان قيامه عليه»، وفي لفظ: «أنزلت في ولي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرًا أكل منه بالمعروف» أخرجاهما.
3770 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم، فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل» رواه الخمسة إلا الترمذي، وسكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب وفي سماع أبيه من جده مقال، وقال في "الفتح": إسناده قوي.
قوله: «متأثل» المتأثل: بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة هو المتأخذ والتأثل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم واثله كل شيء أصله.

.[14/7] باب ما جاء في مخالطة الولي لمال اليتيم في الطعام والشراب والنهي عن أكل ماله بالباطل

3771 - عن ابن عباس قال: «لما نزلت: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة:220] فقال: فخالطوهم» رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه.
3772 - وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات: قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي، وقد تقدم قريبًا، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10].

. [15] كتاب الصلح وأحكام الجواز

.[15/1] باب جواز الصلح عن المعلوم بالمجهول والتحليل منهما

3773 - عن أم سلمة قالت: «جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنكم تختصمون إلى رسول الله، وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، وإنما أقطع له قطعة من نار يأتي بها اسطامًا في عنقه يوم القيامة، فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وفي رواية لأبي داود: «وإنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليَّ فيه» وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده مقال، وأصله في "الصحيح"، وسيأتي في كتاب الأقضية إن شاء الله.
3774 - وعن عمرو بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرام حلالًا أو أحل حرامًا» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وأنكر عليه لأن رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ضعيف جدًا وكأنه صححه لكثرة طرقه.
3775 - وقد صححه ابن حبان من حديث أبي هريرة وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال: على شرطهما وأخرج له الحاكم شاهدين عن أنس وعائشة، وذكر الحافظ ابن كثير في "إرشاده" أن أبا داود روى الحديث عن أبي هريرة بإسناد حسن.
3776 - وعن جابر «أن أباه قتل يوم أحد شهيدًا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألهم أن يقبلوا ثمر حايطي ويحللوني فأبوا فلم يعطهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حايطي وقال: سنغدو عليك، فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها فجذذتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها» وفي لفظ: «أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبا أن ينظره فكلم جابر النبي - صلى الله عليه وسلم - فشفع إليه فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبا فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - النخل فمشى فيها ثم قال لجابر: جذ له فأوف الذي له فجذه بعدما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأوفاه ثلاثين وثقًا وفضلت سبعة عشر وسقًا» رواهما البخاري.
3777 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت عند مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري وأحمد والترمذي وصححه وقال: «من مال أو عرض».
قوله: «ألحن بحجته» أي أفطن وقيل أبلغ، وقد ورد في الصحيح كذلك أي أحسن إيرادًا للكلام.
قوله: «قطعة» بكسر القاف أي طائفة.
قوله: «اسطاما» بضم الهمزة وسكون السين المهملة هي الحديدة التي تسعر بها النار.
قوله: «توخيا» بفتح الواو والخاء أي اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة قوله: جذذتها الجذاذ الصرام.

.[15/2] باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل

3778 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وذلك عقل العمد وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه.
قوله: «خلفة» أي: حاملة.

.[15/3] باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره وما جاء في تحريم الضرار

3779 - عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم» رواه الجماعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
3780 - وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضُر ولا ضِرار وللرجل أن يضع خشبه في حائط جداره وإن اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع» رواه أحمد وابن ماجه، والبيهقي والطبراني وعبد الرزاق.
3781 - ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد الخدري، وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال ابن الصلاح: حسن، وحسنه أيضًا النووي. قال أبو داود: وهو أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه، وقال البيهقي: تفرد به عثمان بن محمد عن الدراوردي قال في "مختصر البدر المنير": قلت لا بل تابعه عليه عبد الملك بن معاذ النصيبي فرواه عن الدراوردي كما أفاده ابن عبد البر في "تمهيده" و"استذكاره"، انتهى.
3782 - وعن أبي صرمة مالك بن قيس الأنصاري شهد بدرًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من ضار مسلمًا ضاره الله، ومن شاق مسلمًا شق الله عليه» رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، هكذا لفظ الحديث في "بلوغ المرام" ولفظ الترمذي وأبي داود: «من ضار ضار الله به ومن شاق شق الله عليه».
3783 - وعن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ملعون من ضار مؤمنًا أو مكر به» رواه الترمذي وقال: حديث غريب.
3784 - وعن سمرة بن جندب: «أنه كان له عضة نخل في حائط رجل من الأنصار قال ومع الرجل أهله وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل ويشق عليه فطالب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فطلب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال فهبه لي ولك كذا وكذا أمرًا رغبه فيه فأبى، فقال: أنت مضار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصاري: اذهب فاقلع نخله» رواه أبو داود من حديث الباقر عن سمرة، وقد قيل: إنه لم يسمع منه ورجاله رجال الصحيح.
3785 - وعن عكرمة بن سلمة بن ربيعة «أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز خشبة في جداره فلقيا مجمع بن يزيد الأنصاري ورجالًا كثيرًا قالوا: نشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبًا في جداره، فقال الحالف: أي أخي: قد علمت أنك مقضي لك علي وقد حلفت فاجعل أسطوانًا دون جداري ففعل الآخر فغرز في الإسطوان خشبة» رواه أحمد وابن ماجه وفي إسناد الحديث عكرمة وهو مجهول.
قوله: «خشبة» بصيغة الجمع والإفراد روايتان.
3786 - وفي رواية للبيهقي من حديث ابن عباس: «إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حايطه فلا يمنعه».
قوله: «أكتافكم» بالتاء الفوقية.